Wednesday, June 3, 2009

سفير اسرائيل في جامعة القاهرة : ليس الى هذه الدرجة تكون الهزيمة


لا أنسى سحر هذا اليوم أبدا ، كان أبي يرافقني في خطواتي الأولى نحو جامعة القاهرة نحمل ملفا مليئا بالاوراق التي تصلح للتقدم لكلية الاعلام ، لا اتذكر لماذا نزلنا من الأتوبيس عند منزل كوبري الجامعة ، كان تمثال نهضة مصر فوق رأسي تماما .. وقبة الجامعة تملأ الأفق .. وأنا أكاد اطير فرحا واملا أنني أخير سأخطو خطواتي الأولى في نفس الطرقات التي شهدت خطوات طه حسين واحمد لطفي السيد ولطيفة الزيات .. في الواقع قضيت أيامي الأولى بالجامعة لا افعل شيئا سوى ان أتردد على طرقات كلية الأداب متلمسة سحر العلم الذي عاش هنا .. اكتشفت أنني لا انتمي كثيرا لكلية الاعلام التي تقدمت إليها وأنا اتابع اكثر ندوات مفتوحة يحاضر بها د. نصر حامد أبو زيد وحسن حنفي .. اكتشفت أنني اخترت كلية الاعلام تحديدا هروبا من التوزيع الجغرافي الذي كان سيزج بي في حداثة جامعة عين شمس ..و انا مهووسة بالتاريخ .. لا يليق بي غير سحر القبة الجامعية وساعتها منتظمة الدقات .. انها جامعة القاهرة .، كان قلبي يمتلأ خضرة وأنا اجلس فوق نجيلها الأخضر .. وروحي تحلق حتى تلمس السماء وانا اسير كل يوم في الشارع الذي يربط ما بين الجامعة وكوبري الجامعة ، كنت اشعر بطرواة ما قد تمنحة الحديقتيتن الممتدين على اليمين واليسار من نسمات .. كنا قد خلقنا طقسا .. نحن مجموعة نادي الفكر الناصري بجامعة القاهرة ، ما ان نخرج من باب الجامعة حتى نبدأ كجماعة في الغناء ، كان هتافا قديما ينتمي لأيام مظاهرات سليمان خاطر ، لحنه احد الرفاق ومزجه باحدى اغنيات فيلم البرئ ، فصرنا كلما عبرنا البوابة للشارع ، وكنا نعتقد ان التعبير عن آرائنا في الشارع خارج اسوار الجامعة هي الشجاعة التي لا تحتمل ، نشدو هكذا : "من عشقي فيكي يا محروسة يا انسانة .. لا كرهت سجنك ولا كرهتني زنزانة .. زنزانتي لو أضيق انا من ورا السجان .. في العتمة باتشعلق حتى على القضبان ، وأغني بدموعي لضحكة الأوطان .." ، ثم يتعالى صوتنا ونحن ننشد "والحوار مدان مدان .. مع صهاينة وأمريكان " نكون قد وصلنا لاول كوبري الجامعة حيث تقبع السفارة الاسرائيلية .. وجنودها الحارسون .. كنا نردد الهتاف بقوة توتر العساكر الذين سرعان ما سيكتشفون أننا فقط نغني فيضحكون هانئين .. نظل نردد الهتاف حتى ننهي رحلتنا عبر المحمية الاسرائيلية .. فنصل للنيل .. نتامل فيه كثيرا وندرك كم كانت رؤيتنا للعلم الاسرائيلي فوق هذا النيل وامام هذه الجامعة وبحضرة تمثال نهضة مصر .. كم يلسع مشهد العلم ذي الخطين الزرق قلوبنا فلا نطفأها غير بالغناء .. والأمل .. كنا ما نزال نأمل .. كانت مطالبنا لا تقل عن فلسطين من النهر إلى البحر ، وعودة اللاجئين ، ودولة فلسطينية لها سيادة وعلم ونشيد .. لم نكن حتى نوافق على أوسلو أبو عمار .. كان الأمل يحدونا في أنه يمكن ان يكون هنالك ما هو أكثر .. ما هو حق . وحقنا هو التحرير . غدا .. سيسير أول رئيس أمريكي أسود على نفس الخطى التي سار عليها طه حسين وأحمد لطفي السيد ولطيفة الزيات ، على نفس الخطى التي سار عليها الشهيد نبيل الوقاد قبل ان يسيل دمه بالحرم الجامعي احتجاجا على ضرب أمريكا للعراق سنة 1990 ، .. انا لا اكره اوباما .. وهو الذي سحر العالم فكيف لا اقع في سحره وأنا بين العالمين .. يعطي أوباما قطعة منه لكل قاطني البشرية ، فهو أسود تعجب سمرته الأفارقة ، له أب مسلم .. فيأمل به المسلمون ، تقدمي ليبرالي .. الأهم منذ هذا انه جاء فترة فترة سوداء كللها سئ الذكر جورج دبليو بوش بكل ما يمكن ان يجعل العالم يكره أمريكا ويتمنى رميها في المحيط ، ياتي أوباما غدا ومعه محبة أمريكا لنا .. كي ننسى ونطوي صفحة احتلال العراق وجوانتانامو .. ونبدأ من جديد في الأمل بحل الدولتين .. انس فلا مجال هنا للحديث عن فلسطين من النهر إلى البحر .. (هو حد كان طايل حاجة) .. مشكور أوباما .. نقدر اهتمامك وتعاطفك .. نقدر أنك ربما تفكر في اتخاذ اجراءات رمزية ضد اسرائيل لتوقف المستوطنات ، ونعلم انك تقوم بما لم يجرؤ رئيس أمريكي سابق او ربما قادم على التفكير به .. الله يرحم أيام كلينتون .غدا أيضا سيخطو السفير الاسرائيلي بالقاهرة عابرا نفس الطريق الذي عبرته أول مرة بصحبة أبي .. من مكتبه على طرف كوبري الجامعة .. سيعبر البوابة الضخمة ، وستجوب قدماه كل الطرقات التي حفظت ملامح احذيتنا القديمة .. سيخطو حيث حرقنا مرارا اعلام دولته .. سيخطو حيث تظاهرنا وهتفنا .. وتنشقنا الغاز المسيل للدموع احتجاجا عليه وعلى دولته .. انا اذعن اخيرا وأقبل حل الدولتين .. اذعن اخيرا واتقبل ما تجود به يدي أوباما .. وأدرك ان العالم كله صار رعاياه .. لكن قلبي يوجعني كلما تصورت سفير أسرائيل وهو يعبر بوابة جامعة القاهرة . ربما نستحق الهزيمة .. لكن ليس إلى هذه الدرجة . .

No comments: